الكثيرون لا يعرفون قيمة الاعتزاز بالنفس ولا يدركون أهميتها فى وقايتك من الخطيئة وفى حرصك على النجاح فى الدنيا والفوز برضاء الله فى الآخرة.
الداعية عمرو خالد يؤكد أن الاعتزاز بالنفس غريزة غرسها الله فينا لتعصمنا من المعاصى وتبعدنا عن ارتكاب الكبائر ، لأن من يعتز بنفسه يحب أن يسترها ويكره أن يقع فى الفضيحة والإهانة.. ومن يقدر نفسه أيضاً يكره الفشل ويحرص على النجاح ليكون مرفوع الرأس دائماً
ويتساءل : كيف أكرم الله الإنسان وأمر الملائكة أن تسجد له وهو يهين نفسه ويعيش خائفاً ذليلاً من اكتشاف خطاياه ؟
كيف تحب نفسك ؟
سألت عمرو خالد: هل يمكن للإنسان أن يحب نفسه دون أنانية ؟
هناك حب النفس ، بمعنى أن يعتز الإنسان بها ويقدرها ويكرمها. فالله سبحانه حين خلق الإنسان أوجد فيه ثلاث غرائز أساسية هى: غريزة الأكل والشراب ، وغريزة الاعتزاز بالنفس وتقديرها ، حيث يعتز كل منا باسمه وإنجازاته ، التى يتباهى بها أمام أبنائه . وكل إنسان منا يحاول الهرب من أخطائه وفشله.
وكل واحد منا بسبب هذه الغريزة ، يحب أن يستر نفسه، ويكره أن يقع فى الفضيحة التى تعرى النفس وتهينها. وكلنا يكره الغيبة والنميمة لأنها تجرح النفس . لماذا كلنا نحب النجاح ونكره الفشل؟
لأن فى داخلينا غريزة تقدير النفس والاعتزاز بها.
هل هناك دراسات علمية موثقة تثبت مدى تعلق الإنسان بذاته ؟
نعم . عملوا إحصائية فى أوروبا عن أكثر كلمة تستخدم على التليفون . فأخضعوا ألف تليفون للمراقبة لإحصاء أكثر كلمة تستخدم ، فوجدوا أنها كلمة " أنا " ليس معقولاً أن كل المتحدثين مرضى بالأنانية،لكن هؤلاء بداخلهم غريزة يريدون إشباعها،وهى تقدير الذات،واحترام النفس.
سر النجاح والاستقامة
لماذا أوجد الله سبحانه هذه الغريزة فى الإنسان ؟
أوجد الله غريزة بالنفس فى الإنسان ، لأنه يحبه. وطالما أن هذه الغريزة موجودة، يقل الانحراف فى الأرض . فكل إنسان يعمل على احترام نفسه، ويريد أن يكرم نفسه ، ويخاف الفضيحة. لهذا يتجنب الذنب والمعصية. الإنسان دائماً يريد أن يكون محترماً ومبجلاً أمام أبنائه ، لهذا يتجنب أن يخطئ حتى لا يروا سوأته.
وهو يتجنب الخطأ فى مكان عمله ، خوفاً من ألا يحترمه زملاؤه فى العمل ومرؤوسوه . لكن لو كانت هذه الغريزة غير موجودة ، فما أسهل أن يقول الإنسان لنفسه: إيه يعنى لو دخلت السجن؟ وإيه يعنى لو اتفضحت ؟ فتنتشر الرذيلة والانحراف فى الأرض ، ويضيع المجتمع.
هذه الغريزة تدفعنا إلى ستر أخطائنا فنحافظ على المجتمع من الانحراف.
وإدراك هذه الغريزة ميزة يتميز بها الغرب عنا . أنت نفسك عزيزة جداً وكريمة جداً، ولو أنك تعرف قيمتها، لما أهنتها أبداً.
ذل المعصية
لماذا يقع الإنسان فى المعصية رغم وجود هذه الغريزة؟
علماء النفس يحللون ذلك بأنه يحدث بمجرد أن تسقط قيمة الإنسان أمام عينيه، أى أنه يعصى الله عندما تصبح نفسه بلا قيمة أمام عينيه، فيرتكب الكبائر.
لماذا سميت الكبائر بهذا الأصم؟
الكبائر هى أكثر شئ يهين النفس البشرية، وأكثر شئ يغضب الله. والكبائر أكثر شئ يعريك أمام نفسك. وأنت يريدك الله كريماً وغالياً.
الكبائر كبائر لأنها أكثر حاجات تهين نفسك. فلو رأيت شارب الخمر وهو فى الطريق العام، والناس ينظرون إليه فى تقزز واستياء.
ولو رأيت الزانى ومدى إهانته لنفسه. الكبائر كبائر لأن فيها أعظم إهانة للنفس.
الشاب الذي يكذب ويسرق من أموال أبيه، كيف يشعر وهو جالس وسط العائلة؟ ألا يشعر بالإهانة بينه وبين نفسه، حتى ولو كان أبوه لا يعرف بما ارتكب؟ فحذار أن تهين نفسك أيها الشاب.. وأنا أوجه كلامى هذا بالذات لسن 16 سنة، الذين هانت عليهم أنفسهم.
ثمن الخيانة
هل تعطنا أمثلة لشباب أهانوا أنفسهم؟
مدمنو المخدرات الذين "مرمطوا" أنفسهم فى التراب، ودافع الاعتزاز بالنفس سقط لديهم.
كذلك الغربيون يوم السبت فى أوروبا، وهو يمشون سكارى فى الطرقات، وعلى الحوائط إعلانات تقول: "كن رجلاً وجرب شرب البيرة"!.. أصبحت الرجولة لديهم هى إهانة ذواتهم.
كذلك الرجل الذي يخون زوجته. عندما يخونها يبالغ فى إرضائها. يهين نفسه ليغطى على أخطائه أو خطاياه.
أعرف رجلاً يريد ارتكاب كل أنواع الحرام مع النساء وهو متزوج، ففتح لزوجته كل أبواب التساهل والتفريط حتى تتركه يفعل ما يريد، إلى أن فوجئ ذات يوم بأنها صارت عشيقة لرجل آخر . بكى من ذل نفسه. أنت أهنت نفسك فأذلتك امرأتك . وذهب إلى أهلها يفضحها،
وكان الطلاق . الشاب الذى يقود سيارته ويعاكس النساء والبنات. فتشتمه النساء فيضحك ! هذه الضحكة هى شعور بالذل يداريه فى ضحكة باهتة.
لماذا تهين نفسك الغالية ؟
أعرف شاباً كان يعاكس البنات ، ولو شتمته إحداهن يسرع بسيارته ثم يدوس الفرامل فجأة ثم ينطلق "أمريكانى" ذات مرة أمسك به شقيق إحدى الفتيات فبكى أمامه فى ذل ، وهو يقول له : سامحنى لن افعل ذلك مرة أخرى.
أحكى ذلك حتى لا يهين الشباب بعد رمضان نفسه، وقد كرمه الله . الكذاب ذليل. يتبدى ذله عندما ينكشف كذبه. التى تغتاب صديقة لها فى التليفون ، تصبح ذليلة عندما تواجهها صديقتها بأنها اغتابتها.
النفس غالية جداً ، فلا تهينها أبداً. الحرامى الذى خان شريكه ونهب ماله يصبح ذليلاً عندما ينكشف أمره. أعرف تاجراً يشغل عنده أحد العمال، فبدأ هذا العامل يسرقه ، وشعر التاجر بذلك. فأوعز إلى أحد أصدقائه أن يذهب إلى المحل خلال غيابه عنه ويشترى بضائع كثيرة، ثم يعود فى المساء خلال وجوده لإعادتها واسترداد الثمن.
وفعل الصديق ذلك ، واكتشف التاجر أن العامل فعلاً يسرقه ، ولم يحاسبه على ما اشتراه الصديق فى غيابه . وحين عاد الصديق فى المساء بالبضاعة ليردها ، سقط العامل ذليلاً على الأرض.
الشاب الذى لا يغض بصره ويذهب إلى "المول" لملاحقة البنات تراه ذليلاً ، أما الذى يغض بصره فهو عزيز.
المرأة التى قبلت أن تنزل الشارع وهى ترتدى ملابس ضيقة جداً ومتعرية، وتعاكس من الشباب بكلمات فاضحة تخدش الحياء ، هى التى أذلت نفسها . لا تهينى نفسك بالملابس الضيقة والقصيرة العاصى بعد ارتكابه للمعصية يحاول النوم بسرعة ، ليهرب من الإحساس بالإهانة بعد ارتكاب المعصية.
الرعب من الفضيحة
أحياناً لا يفضحك الله خلال ارتكاب المعصية ، لكنك تعيش فى رعب لأن على رأسك بطحة وكلما نظر إليك من ارتكبت فى حقه المعصية ظننت أنه اكتشف فعلتك فأنت خنته ، والخائن جبان وذليل.
الفتاة التى حاولت الاتصال بشاب هاتفياً الساعة 2 بعد منتصف الليل دون علم أبيها وأمها، كيف تكون ذليلة وخائفة من اكتشاف أهلها لفعلتها؟ وكيف تجرى فى رعب وهلع عندما يكتشف أبوها ما تفعل فى الليل ؟
والذى كذب على والده وقال أنه نجح فى الامتحان بينما هو راسب. كيف كانت صورته ذليلة أمام والده والأسرة عندما اكتشف الحقيقة ؟ كيف صار ضئيلاً فى حجم النملة عندما اكتشف الجميع كذبته ؟
أقول للشاب الذى عمره 16 سنة: اعتز بنفسك ولا تظن أنك لا تزال طفلاً .. أنت رجل ونفسك كريمة.
وأقول للمسلمين: كفانا إهانة للأمة. فما يقال عن فرد يقال عنه أمة. أمة قبلت أن تذل نفسها وتعيش مهانة . نحن أمة محمد، صلى الله عليه وسلم ، أمة كريمة. ماذا حدث لنا؟ وكيف هانت علينا أنفسنا ؟
كيف لا نشعر بحب الكرامة وحب العزة ونحن أمة محمد، صلى الله عليه واله وسلم؟!
لا تدنس طهارتك
هل الإنسان عندما يستره الله يتمادى فى غيه وفى ارتكاب الذنب؟
يقول الله تعالى عن المنافقين: (يحسبون كل صيحة عليهم)، ولو علموا إلى أى مدى كرمهم الله، لما فعلوا ذلك.
تمعن فى السورة الكريمة:
(والتين والزيتون. وطور سنين. وهذا البلد الأمين. لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
الله تعالى يقسم بثلاثة أشياء: (التين والزيتون) فى فلسطين، و(طور سنين) الذي كلم عليه سيدنا موسى عليه السلام، (وهذا البلد الأمين) مكة. وهذه أطهر أماكن الأرض. الله تعالى يقسم بها أننا طاهرون مثلها لأنه خلقنا فى أحسن تقويم. وإذا أهان الإنسان نفسه (ثم رددناه أسفل سافلين)، ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات). الله سبحانه خلقنا من تراب وماء، ولم يخلقنا من مطاط أو حديد. لأن هذين العنصرين هما أطهر ما فى الوجود.
أنت يا بنى آدم طاهر جداً، فلا تدنس طهارتك بالمعاصى.
الله سبحانه لم يخلقك فقط من أطهر العناصر، إنما خلقت بيديه الكريمتين، ونفخ فيه من روحه.
(فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وبعد أن تسجد لم الملائكة تهين نفسك؟ لقد أعد سبحانه الجنة لك، وجعل التوبة لتعيد لك اعتزازك بنفسك لو أهنت نفسك ...سبحان الله